Skip to content Skip to footer

المقاولات المغربية أمام اختبار جاهزية جديد:
تشهد المملكة المغربية في الوقت الراهن دينامية ملحوظة في قطاع المقاولات، مدفوعة بالتحضيرات الجارية لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030، ويُرتقب أن تشكّل هذه الاستضافة نقطة تحول محورية على الصعيدين الاقتصادي والعمراني.
وتتجلى مظاهر هذه الحركية في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، فاس، وأغادير، حيث تُضخ استثمارات ضخمة في تطوير المنشآت الرياضية وتعزيز البنية التحتية المرافقة، في إطار رؤية طموحة تتجاوز البعد الرياضي لتلامس جوانب تنموية شاملة.
فالاستعدادات للمونديال تُعد فرصة لتقوية سلاسل التوريد والبناء، وتنشيط قطاعات مثل الأسمنت، والصلب، والنقل، والخدمات التقنية واللوجستية، بما يعزز من خلق فرص الشغل وتحفيز الدورة الاقتصادية الوطنية. غير أن هذا الزخم لا يخلو من تحديات حقيقية، تتراوح بين ارتفاع التكاليف، ونقص اليد العاملة المؤهلة، وصولًا إلى ضرورة ضمان استدامة هذه الاستثمارات بعد انتهاء البطولة.
ورصد المغرب 6 مليارات دولار لإنجاز مشاريع مرتبطة بكأس العالم 2030، من بينها نحو (2.5 مليار دولار) ستمول من الميزانية العامة خلال الفترة الممتدة بين 2024 و2030، وتشمل هذه المشاريع تهيئة الملاعب، توسيع شبكات الطرق، وتعزيز البنى التحتية، وهو ما يمنح دفعة نوعية لقطاع البناء الوطني.
ويرى محمد محبوب، رئيس الجامعة الوطنية للبناء والأشغال العمومية، أن هذه المرحلة تشكّل فرصة لانطلاقة جديدة نحو نموذج تنموي متجدد لهذا القطاع، كما يوضح أن استثمار الدولة في البنيات التحتية ليس هدفًا في حد ذاته، بل يشكل رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر خلق مناصب شغل، وتعزيز الإدماج المجالي، ورفع جاذبية الجهات والأقاليم.
زخم في التشغيل
ووفقًا للبيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، فقد أسهم قطاع البناء خلال الفصل الأول من سنة 2025 في خلق حوالي 52 ألف منصب شغل جديد، مما عزز مكانته كمشغل رئيسي بنسبة 12.5% من إجمالي المشتغلين، وتُظهر المؤشرات توقعات باستمرارية هذا الزخم خلال الفصل الثاني، إذ تشير التقديرات إلى بلوغ الطاقة الإنتاجية المستعملة 72%، رغم التحديات المرتبطة بتموين بعض المقاولات.
بدوره، يُبرز محمد محبوب أن المقاولات الوطنية سخّرت إمكانياتها البشرية والتقنية، بالإضافة إلى قدراتها التنظيمية واللوجستية، من أجل مواكبة الدينامية المتصاعدة في القطاع. كما يعتبر أن استخدام تقنيات متطورة مثل الإنجاز المتسارع والنمذجة الرقمية يعزز من كفاءة أداء هذه المقاولات، ويبرز جودة اليد العاملة المغربية، خاصة في ظل الجهود المستمرة في مجال التأهيل ومواكبة التحولات المستقبلية.
وتفرض المعايير المعتمدة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تحولات جذرية في طرق تنفيذ مشاريع البناء، تضع المقاولات المغربية أمام اختبار جاهزية جديد، سواء من الناحية البيئية أو التقنية.
ورغم الحركية الإيجابية، لا يخلو المشهد من تحديات تمويلية وبنيوية، تتعلق أساسًا بارتفاع التكاليف، نقص اليد العاملة، وضغط سلاسل التموين، في ظل ظرفية اقتصادية دقيقة، ويحذر الأكاديمي أمين سامي من أن مشاريع البنية التحتية الكبرى عادة ما تتجاوز الميزانيات الأصلية بنسبة قد تصل إلى 45%، ما يستدعي تعزيز آليات التخطيط القبلي، وتبني ممارسات تنفيذية متقدمة، للحد من أي انزلاقات مالية.
تجدر الاشارة الي أن الطاقة الإنتاجية المغربية من الأسمنت تبلغ حوالي 20 مليون طن سنويًا، في حين لا يتجاوز الطلب في الظروف العادية 14 مليون طن، ما يجعل السوق المحلية قادرة على تلبية حاجيات مشاريع المونديال دون اختناقات.